حين يقدم الشخص على الزواج ويقرر خوض هذه التجربة الحياتية قد يسعى لإيجاد شريك يتقاسم معه أسمى معاني الحب، الوفاء والرحمة إذ تمثل العلاقة الزوجية عمق الترابط العاطفي والجسدي وتعتبر رحلة نحو الفهم الروحي الذي يتحقق من خلالها النمو الذاتي حيث يدرك كل طرف حقيقته التي قد تخفى عنه، فهي إذن رحلة اكتشاف للذات يرى من خلالها كل شخص نقاط ضعفه وقوته، فالزواج بمثابة المرآة العاكسة التي تعكس ما بداخل كل طرف وتجعله يدرك ما يجهله عن ذاته.
الزواج أعمق من أن يكون عقدا اجتماعيا لكن يعتبر رحلة حياة تبنى على المودة والتفاهم والفهم، لذلك يقدم الشخص الواعي على هذه الخطوة وهو مدرك أن جمالها لن يكتمل إلا بوجود قبول وتوافق مع من سيختاره صحبة في رحلة حياته. في هذه المرحلة بالذات قد ينتاب الشخص مزيج من المشاعر تجمع بين مشاعر الحب واندفاع الشباب ومشاعر الخوف والتريث من مصير مجهول نتيجة أفكار ومعتقدات عن الزواج وحقائق على أرض الواقع تثبت ضرورة وجود توافق بين الطرفين من أجل بناء علاقة زوجية متزنة وأسرة قوية تواجه ضغوط حياتية وتحديات مختلفة بكل ثبات.
أثناء خوض هذه التجربة يتمنى كل طرف أن يجد ما يناسبه ويسره في الطرف الآخر ليشكلا نغمات منسجمة تعطي الحياة الزوجية سكينة وطمأنينة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل من الضروري وجود توافق بين الطرفين لبناء علاقة زوجية مستقرة وآمنة؟
الحياة الزوجية المتوازنة تتطلب وجود حب وتوافقات تساعد في استمرارها ودوامها، لذلك علينا أن نفهم ما نريده وما يمكننا تجاوزه أو تجاهله وما نحتاجه من توافق وما لا نستطيع التناغم بدونه؟
قبل الخوض في التوافقات علينا ان نشير الى أمر مهم حتى لانجعل للإلتباس مجال، قد يأتي شخص متزوج ليخبرنا أن حياته الزوجية تفتقد للعديد من التوافقات فهل هناك حكم مسبق على فشل هذه العلاقة؟ في العلاقات الإنسانية لا يوجد شيء مطلق فهناك أشخاص نجحوا في علاقاتهم بمجرد وجود نية صادقة وفطرة سليمة إتحدت فيها قوة الذكر بمشاعر اللطف والاحتواء لدى الأنثى بحيث يتبنى فيها الرجل القيادة والسلطة فيما يناسبه من مواقف تثبت قوامته وقدرته على العطاء لما هو أهل له من رعاية ومسؤولية وتظهر من الجانب الآخر قوة المشاعر والعاطفة عند الأنثى وقدرتها على الاحتواء والحضور وتطبيب للجراج فيكون كل منهما مكمل للآخر، لكننا هنا نحاول النظر الى زاوية مهمة قد يجهلها بعض الشباب وأصبحت ضرورة حتمية لاستمرار هذه العلاقات بكل ثبات في وقتنا المعاصر.
إن وجود توافق على مستوى الإناسانية إن صح التعبير هو توافق يحقق فيه الذكر والانثى الانسجام بحيث يكوّنان كيان واحد بحيث يكمل كل طرف الآخر، فما قد يراه أحد الطرفين ضعفا في نفسه أو نقصانا سيجده في الطرف الأخر مكملا له بدون الخوض في مفاهيم مشوهة تحاول ابراز معاني الندية وأفضلية طرف على الآخر، فكل طرف لديه نقاط قوة ونقاط ضعف تناسب رسالته في هذه الحياة فكل من الرجل والمرأة بصفاته الفطرية وقوته الذاتية قادر ان يجمع بين توازنه الداخلي والخارجي ويضع بصمته داخل هذه العلاقة المقدسة لتكتمل حلقة التوازن.
ان معرفة كل طرف لدوره ومسؤولياته داخل العلاقة وتبنيه لروح المشاركة والتعاون يفتح باب للتفاهم والثقة المتبادلة للوصول للانسجام التي تحتاجه أي علاقة زوجية.
من التوافقات المهمة بين الشريكين التوافق على مستوى القيم والأخلاق أيضا حيث أنهما الموجه الداخلي للسلوكياتنا اليومية، فهما المحرك الذي من خلاله تنعكس ردود افعالنا وسلوكياتنا وقراراتنا ومن الضروري وجود هذا التوافق الذي من خلاله تكتشف أولوياتك وما يؤمن به الطرف الأخر من قيم عليا في حياته تحدد توجهاته ورؤيته للأمور فوجود قيم مشتركة حتى ولو اختلفت درجتها من حيث الأهمية عند كل طرف تساهم في ضبط التصرفات وتقلل من الفجوات التي قد تحدث داخل العلاقة وتساعد في التواصل الجيد بين الشريكين فالاتفاق مثلا على قيمة الاحترام والالتزام يعطي راحة نفسية و وأمنا واستقرار لكن بغياب التوافق القيمي قد ينشأ سوء تفاهم وصراعات في القرارات لأنه من لديه نفس قيمك الاكيد انك تتوافق معه في الكثير من القرارات، لذلك معرفة مدى توافقك مع شريكك يحدد الاتجاه الذي قد تسير نحو العلاقة الزوجية .
ان التوافقات على المستويات الأخرى الفكرية، الاجتماعية، المالية والتعليمية وغيرها أيضا لها دور في إحداث الإنسجام والتناغم بين العقل والعاطفة والحقيقة قد لا تتوفر كل التوافقات إلا نه يمكن إيجاد مساحة للتفاهم من خلال فهم الطباع التي تميز كل شخص وأسلوب تفكيره هذا الفهم يخول للطرفين فرصة اكتشاف أنماط مختلفة من الطباع وطرق التفكير والذكاء المتنوعة التي تعطي مساحة للتطور والنمو الذاتي و تساهم في الثراء الفكري للشخص فالتوافق لا يعني بالضرورة التطابق التام لكن يعني القدرة على التكيف و إدارة الاختلافات الموجودة بمرونة ونضج يساعد في الوصول للتفاهم بطريقة سريعة فالكون مبني على التنوع والإبداع الذي اعطى انسجام وتناغم في اللوحات.
لذلك الوعي والإدراك يساعد الشخص في فهم نفسه وفهم شريكه والاستفادة من التنوع الموجود من جهة ولتفادي الصدامات والخلافات من جهة أخرى.
الغرض والغاية من معرفة ما سبق أن تحسن في اختيارك لما يناسبك في هذه الرحلة لتفادي الصراعات الداخلية والخارجية والتمتع بعيش مشاعر السلام الداخلي التي تسمح لك بالتعامل برقي ومسؤولية داخل علاقة زوجية يتحقق فيها التوازن بين الاخذ والعطاء بحيث يكون عطاء بدون استنزاف وامتنان لكل ما هو موجود بحب ورضا.